أكتر شيء أي أم بتتمناه في الدنيا إنها تربي طفل سعيد ومبسوط وحاسس بقيمة كل حاجة في حياته. بنتخيل إننا لما نجيب لهم كل حاجة هم عاوزينها إننا كدا بنحبهم وبنراعيهم وبنعبر لهم عن مدى تقديرنا واحترامنا لوجودهم في حياتنا. لكن الكلام دي مش صحيح، العكس بيحصل! واحتياجنا المتواصل لنظرة الرضا والامتنان في عيون أولادنا بتخلينا في حالة من السعي المحموم ورا إرضائهم بأي شكل لكن المفاجأة إن مفيش حاجة بترضيهم!
الحياة المرفهة مش دايمًا سعيدة
قبل ولادة ابني، كنت عاوزة أجيب له حتة من السما، وفضلت بالشكل ده لحد سن الأربع سنين، مفيش أي حاجة ناقصاه، ومفيش أي حاجة بيطلبها مش بتجي له بشكل أو بآخر، لكن دايمًا كنت باتفاجئ لما بنخرج خروجة حلوة ومدفوع فيها مبلغ كبير عشان يكون سعيد، ويكون راجع زعلان وغضبان. لما بتجي له لعبة حلوة جدًا، بيقلّب فيها شوية ويلعب وقت قليل جدًا وبعدين يبدأ الزن والعياط عشان عاوز حاجة تانية. الموضوع وصل إنه لما بيفتح اللعبة وخلاص لعب بيها شوية، بيكون عاوز واحدة زيها تاني بس مقفولة. يعني عاوز يعيش إحساس إنه بيفتح اللعبة لأول مرة تاني، وبعد كده يرميها مش مشكلة. وقتها حسيت إن فيه حاجة غلط، وأكيد احنا بنبذل مجهود عشان تكون سعيد مش عشان تكون غضبان وترجع معيط وتنام متنكد والزن يزيد بالشكل ده ومفيش “شكرًا”. الموضوع يبدو تافه في سن صغير، لكن مع الوقت، أنا كده باربّي طفل ما عندهوش أي شعور بالرضا أو السعادة، وبالتأكيد مش دا هدفي.
إزاي اكتشفت التربية بالحرمان
لما ابني تم أربع سنين، خلفت أخته، وبدأ الاهتمام بيها، وكمان الشرا، لأنه كان عنده هدوم كفاية ولعب خلتني أصرف انتباهي عنه شوية. فضلنا على الحال ده تسع شهور تقريبًا، لحد لما انتبهت إن فيه حاجات صغرت عليه، ومحتاج هدوم جديدة خاصةً مع دخول العيد. في اليوم ده، أخدته معايا للمحل عشان يشتري أول قطعة هدوم هاتجي له من شهور كتير، فوجئت بشعور امتنان عمري ما شوفته في عينيه قبل كده. هو اللي اختار كل تفصيلة، وحصل أكتر حاجة كنت باسمع عنها وباتمنى إنها تحصل مع ابني لما روحنا. نام وهو واخد الهدوم في حضنه، وكان نايم سعيد. لأول مرة في حياته تقريبًا من ساعة ما اتولد اشتري له حاجة ويمتن لها، مش يعترض ويطلب أكتر وينام معيط.
أنا عاوزة إيه؟
وقفت قصاده كتير وهو نايم، وبدأت أفكر إن الاستجابة المتواصلة والرفاهية المجانية ما كانتش مخلياه سعيد زي اللحظة دي. وهنا كان لازم أسأل نفسي سؤال مهم جدًا: “أنا عاوزة ابني سعيد؟ ولا مش ناقصه حاجة؟” كان لازم أحدد هدفي عشان أعرف هاتصرف بعد كده إزاي.
في اليوم ده، قررت إني مش هاجيب لابني أي حاجة غير لما يطلبها ويكون عاوزها فعلًا وبصدق، وما تجيش بالساهل، عشان لما تيجي يكون لها زهوتها وجمالها ويحس بقيمتها. مش كل مرة هيطلب مني حاجة، هانفذ طلبه، وباستثناء الضروريات، لازم يعرف إن الهدايا والخروجات مش حاجة مجانية، دي مكافآت عن الأفعال الطيبة والشطارة وحسن التصرف. أنا عاوزة ابني سعيد وحاسس بقيمة كل حاجة في دنيته، مش مجرد طفل مرفه بيشوط اللعب برجله وبيعيط في الخروجات، وطول الوقت فاقد الإحساس بقيمة اللي في إيده وعاوز أكتر عشان يرضي حتة جواه لا يمكن تشبع أو ترضى.
فوائد التربية بالحرمان
الخبراء بيقولوا إن الاستجابة المتواصلة للطفل بتسرّع طفولته، يعني بتخليه يكبر قبل أوانه. فتلاقي طفل عنده ست سنين مدمن موبايل ماما، فهي تجيب له واحد مخصوص عشان ما يعيطش على تليفونها شوية. وهيبقى طفل عنده 11 سنة بيلعب لعبة دموية مع ناس أغراب من بلاد بعيدة ما يعرفهمش عشان مزاجه كده. وبنات صغيرين ما يكملوش 13 سنة بيشتروا هدومهم من فيكتوريا سيكريت!
ما حدش بيحب يشوف ابنه أو بنته بيعيطوا أو غضبانين أو متغاظين وثايرين. بس المفاجآة إن كل دي مشاعر ضرورية عشان شخصيتهم تكتمل. مش وظيفتنا نخليهم سعداء طول الوقت لأن ده مش هيحصل. بالعكس، هنخليهم ناس أنانية ومتطلبة وعاوزين كل وأي حاجة، رافضين يسمعوا الكلام في أي حاجة تخص مصلحتهم زي إنهم يستحموا أو يبطلوا فرجة على الكارتون، بنقضي على طفولتهم تحت بند الحب والعناية!
*هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتبة وليس بالضرورة سياسة راحة بالي.
التعليق باستخدام حساب فيس بوك