طول الوقت بنسمع إنه الغربة صعبة، كنت فاكرة إن صعوبتها في مجرد البعد عن الأهل، وكنت حاسة إن وسائل التواصل سهلت جدًا على المغتربين البعد والفراق والاشتياق، وممكن نتواصل مع الأهل ساعات طويلة خلال اليوم، ده غير الأجازات اللي بتقطع الوقت الطويل للبعد، بس لما جت الكورونا، وحركة الطيران وقفت تمامًا، ولما رجعت بقت بمحاذير كتير، زادت شكاوى الأمهات من الغربة أكتر، علشان كده سألنا أمهات “راحة بالي” عن أكتر الحاجات اللي تاعباهم في الغربة، ودي كانت ردودهم:
- كل حاجة صعبة، حمل ولادة وسهر وتربية وفطام وعيال بيفضلو لوحدهم متأخرين فى التسنيين والكلام وبيتعبوا من الوحدة زينا بالضبط، الواحد بيبقى تعبان ومعندوش رفاهية إنه يرتاح، مش مثلا يوم جمعة هروح أقعد عند ماما ارتاح شوية، فترة الكورونا دى كانت أسوأ فترة ممكن تعدى على بنى آدم فى الحياة، ربنا يهون ويعين كل عاللي هو فيه وساكت ومش بيشتكى.
- أنا ولدت ابنى لوحدى وكانت بنتى ٤ سنين ومحدش كان بيعملى أى حاجة خالص، من أول يوم وأنا بعمل كل شغل البيت وطلبات الولاد لوحدى، الموضوع ضغط على أعصابى وأثر على نفسيتى جدا لدرجة إنى ممكن جدًا أبقى قاعدة لوحدى دلوقتى وافتكر الأيام دى قلبى يوجعنى وأعيط .. الموضوع من سنتين.
- تعبانة، زعلانة، محتاجة مساعدة؟ عالجى نفسك، طبطبى على نفسك، ساعدى نفسك..أنا عموما مانصحش أى بنت تتجوز وتسافر مع جوزها وتسيب أهلها وخصوصًا لو هتتجوز واحد مسافر أصلا مش بعد الجواز جالهم فرصة سفر، أولا إنتي فى الخطوبة عمرك ماهتفهمى شخصيته وطباعه من خلال التليفونات وأجازة شهر بينزلها، ممكن تتفاجئى بشخصية متقدريش تتعايشى معاها وإنتي في الغربة ولوحدك وهتتبهدلى، حتى لو قالك أنا مقدر قدر التضحية وإنك سيبتى كل حاجة علشان تتجوزينى وتعيشى معايا فأنا هبقالك كل حاجة، كلمة محفوظة كلهم بيقولها تقريبا مش فاهمين معناها،قرايبك هيموتوا وإنتى بعيد حتنزلى تاخدى عزاهم، حبايبك هيكبروا وإنتى بعيد وهتبقى الضيفة اللي جاية شهر وماشية!، الميزة الوحيدة إنك هتوفرى بيئة أفضل لولادك بس إنتى دفعتى تمنها غالى وضحيتى بكتير أوي.
- هقولك حاجة واحدة بس.. ربك ميديش حمل تقيل إلا للكتف اللي يشيل، مهما كانت صعبة هتعدي و هتقدري ربنا معاكي.
- الغربة دي أحلى و أوحش حاجة في الدُنيا.
أحلى بسبب: علاقتي بجوزي مختلفة على كل الأصعدة و خوضنا تجارب كتير مع بعض علمتنا نبقى السند و الظهر لبعض ونشيل بعض و نقف جنب بعض بشكل عظيم جدًا.
أوحش بسبب: مفيش مامتي وأخويا جنبي، مفيش أصحابي المقربين مفيش حُرية في الأكل، كل شوية لازم تتعرفي على ناس جديدة و تفرزي بقى مين حلو و مين وحش من أول و جديد، و ده لوحده عبء بايخ قوي وده لازم نخوض فيه علشان ولادنا، مفيش أي دعم لأن عائلتك مش جنبك، مفيش أي هدنة أو راحة لأن مفيش حد هيشيل عنك غير إنتي وجوزك بس، والأعياد والمناسبات بنحاول نخليها مميزة،في الأول و في الآخر كل أمر وأرض الله خير.
- الغربة هتعلمك المسؤولية وإنك تقدري بعد كدة تشيلي أي حاجة لوحدك، وربنا بيسهلها جدًا وبيبعتلك ناس تساعدك وقت الأزمات، بس أوحش حاجة في الغربة إن أهلك مش معاكي، وياريت لو عرفتي تعملي صحاب هيصبروكي شوية، وربنا معاكي.
- لازم تسمعو حكايتي:
ولدت ابني الكبير من ٥ سنين بدون ماما، واللي عرفت تجيلى والدة زوجي وماقصرتش معايا جزاها الله خير، ولادتي التانية من 3 شهور بسبب كورونا، برضو ولدت لوحدى معانا رب العالمين.
أول مرة أحس بمرارة الغربة فعلا ابنى بيكبر وحاسة إن فيه مهارات إجتماعية كتير أوي هيبقى صعب اعلمهاله مباشرة، زي لما حد ياكل قصادك أو حد بيعزم عليك، والحاجات المكتسبة من الاحتكاك بالعائلة والناس، بحس إنى نفسى أعيط وارمى العيال لأمى، وارجع تاني ماعنديش أي مسؤولية، أو حتى ارتاح شوية، وارجع وأقول الحمد لله، إن الله إذا كلّف أعان، الحمد لله أكيد ربنا هيجازيني، بحاول أفرح ابني في الأعياد بشنطة حلويات مثلا، ونسمع الأغانى ونرقص سوا، بالنسبة لي رمضان فى الغربة صعب أوى بس ربنا كريم.
- كل حاجة فيها ميزة وعيب، بس هتحسي أوي بقيمه أهلك واخواتك وإنهم يبقو حواليكي، بس عمومًا مع الوقت، بتحسي إنك معتمدة على نفسك جدا، و ربنا بيقويكي على حاجات إنتي مكنتيش متخيلة إنك هتبقي قوية كده فيها.
- رمضان اللي بنقضيه اتنين عالسفرة ومستغربين إزاي رمضان في مصر كان حلو و ماكناش حاسين، أول يوم العيد، الحمل اللي خدته من أول يوم لآخر يوم تعب الحمدلله، وكنا لوحدنا تماما مش عارفين نعمل إيه، لما كنت مهددة بالاجهاض ومحتاجه أرتاح تمامًا و هو مش عارف يقعد من شغله عشان يخلي باله مني، لما كنت بولد وكنت بعيط إن ماما مش معايا وكنت خايفه يجرالي حاجة وما أشوفهاش، بعد ما ولدت الفراغ اللي حسينا بيه مفيش ناس حوالينا وفرحانين معانا، أول شهرين بعد ما ولدت والاكتئاب والانهيارات ومفيش أي مساعدة خارجية وفيه كائن مش عارف حاجة أنا مسئوولة عنه، نزولي بعد الولادة بيومين كل يوم أكتر من مرة عشان ابني و هو في الحضانة، جوزي اللي خلاص مش عارف ياخد أجازات تاني من شغله عشان يقعد معانا، أول مرة أتعب بعد الولادة ودخلت المستشفى، وكنت بعيط لجوزي إنه لو جرالي حاجة ابني يبقى مع ماما، مناسباتنا لوحدنا تماما معرفش ده لأن أنا مش اجتماعية ولا هي الغربة كده وحاليا بدأت أندم شوية إني مش بعرف أصاحب الناس بسرعة يمكن ساعتها إحساس الوحدة بقى أقل. غمقتها سيكا معلش، بس الحلو برضه في الموضوع إننا بعيد عن المشاكل والحوارات برضه وفي حالنا.
- أصعب إحساس في الكون، مايعرفوش ومايفهموش اللي ماعاشوش، مهما قالولك حاسيين بيكي فعلا محدش هيفهم، مشاعر مختلطة وجع قسوة واشتياق، بس في نفس الوقت بيعلم وبيخليكي تكتشفي نفسك.
- حاجة مؤلمة طبعًا خصوصًا لما تتعبي أو حد من أولادك يتعب ومتلاقيش حد يطبطب عليكي، ولا أم تعيطي في حضنها ولا حد يشيل عيالك لو تعبتي، بس ربنا بيعين وبيدي كل واحد على قد طاقته وبرضه بتعلمك تشيلي مسؤولية وتجمدي لأن الحياة صعبة ومحتاجة إنسان قوي، فحتى لو الظروف مريحة لازم الانسان يعود نفسه يبقى قوي بالله وبنفسه، مايستناش حد يقويه لإن النهارده لو سهل بكره هيبقي صعب، دوام الحال من المحال اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم.
دي كانت بعض تجارب أمهات راحة بالي في الغربة، لو عندك تجربة احكيلنا عنها وإحنا هنسمعك ولو حابة هننشرها، وبنفكرك دايمًا إن إحنا معاكي في كل الأوقات، سواء كنتي في بلدك أو في غربة.
ونصيحة لكل المغتربات، حاولوا تستفيدوا بالفرص المتاحة في البلد اللي إنتو موجودين فيها، حاولوا تفتكروا الحاجة الحلوة اللي إنتو سافرتوا عشانها، حاولوا ماتوصولش لأولادكم الشعور بالأسى بسبب الغربة، افضلوا حاولوا طول الوقت، لأن رحلتنا في الحياة عبارة عن محاولات سواء كنا في بلدنا أو في بلد تانية.
دمتم بخير في كل مكان.
التعليق باستخدام حساب فيس بوك