مش هانسى اليوم اللي كنت واقفة فيه ببنتي في الشارع عند مفرق طرق منتظرة أتوبيس المدرسة بتاع ابني الكبير، وفجأة سواق تاكسي معدي ماشافش حتى وش البنت اللي نايمة على كتفي وراح واقف وقال لي: “بنتك وحشة أوي مش هتتجوز”. وراح ضاحك ضحكة من قلبه بصوت عالي وبسعادة شديدة مشي، يومها حسيت كأن حد دلق عليا مياه ساقعة. عادة المضايقة بتكون ليا أنا، لكن لما المضايقة تتعرض لها بنتي وما الحقش أستوعب أو أرد، فدي كانت كبيرة جدًا بالنسبة لي، وفضلت وقت كبير أسأل نفسي عن وجه الاستفادة اللي عادت على الراجل ده لما قال الكلمتين دول!
الحقيقة التنمر المجاني على بنتي ما وقفش. مع الوقت، بدأت أسمع تعليقات غريبة، تقارن شكلي بشكل بنتي، ويبتدي الناس يدّوا نفسهم حق يقولوا مين فينا أجمل من التانية! مرة يشوفوا إنها أجمل، وأطلع أنا وحشة وسمرا، ومرة تطلع هي وحشة وأطلع أنا الأجمل على اعتبار إن دي ميزة بالنسبة لي مثلًا. من الجمل اللي مش بانساها لما جارة جديدة جات عندنا البيت تتعرف علينا، وراحت قايلة لي في زيارتين ورا بعض نفس الجملة، اللي عديتها بدون استيعاب في المرة الأولى وجالي حالة من الاستغراب الشديد لما اتكررت لتاني مرة: “هم ولادك وحشين كده ليه؟ طالعين لمين كده؟!” ازاي الست دي ما توقعتش مني إني ممكن أكسفها وازاي أنا ما عملتش كده؟
أسوء تنمر حصل لبنتي كان من واحدة ست كنت مفترضة فيها إنها عندها وعي وكانت في نطاق الموقف اللي حصل فيه التنمر على بنتي. فإذا بيها تتبرع إنها تصبرني بجملة مش بانساها على اعتبار إن بنتي شعرها كيرلي. فإذا بيها تقول لي: “ما تزعليش يا بنتي، يدى البخت لمكتكتين الروس، وامات شعر سايح بختهم منحوس”، على اعتبار إنها كده بتقول لي إن بخت بنتي هيكون حلو في المستقبل، النقطة الأغرب إن نفس الست وفي وسط الكلام، بدأت تتنمر على بنت من بناتها وقالت لي: “أنا مش عارفة ازاي دي بنتي!! كل أخواتها بيض وشعرهم ناعم، دي سمرا وتخينة وشعرها خشن. دايمًا أقول لها انتي لا يمكن تكوني بنتي، انتي أكيد بدلوكي في المستشفى”. كانت بتضحك من قلبها برضه على الموضوع باعتبار المسألة مضحكة ودمها خفيف!
الحقيقة مش أنا بس اللي باتعرض للتنمر في حق أولادي، مفيش أم تقريبًا ما مرتش بالتجربة دي بشكل أو بآخر. لكن السؤال إيه وجه الاستفادة اللي ممكن يحس بيه شخص بيتنمر على طفل صغير ويقول عنه إنه وحش؟؟ أكيد فيه فايدة نفسية بيحس بيها بشكل أو بآخر بتدفعه إنه يسيء لكائن مش هيقدر يرد، وكمان أمه أو أبوه من فرط الاستغراب لسانهم يتعقد فما يردوش برضه.
المسألة استفزتني، وبدأت أدور عليها أكتر لحد لما لاقيت تفسير علمي ريحني نفسيًا إلى حد بعيد، وفسر لي التصرف بشكل منطقي، في دراسة بعنوان “تقديم التنمر”، يقول الباحثين إن المتنمرين عادةً بيكونوا متكبرين ونرجسيين، يعني عندهم مشاكل نفسية حقيقية، لكن التفسير الأقرب في رأيي إن التنمر في أحيان كتير بيتم استخدامه كشكل من أشكال الإسقاط النفسي عشان صاحبه يخفي شعوره بالعار أو القلق أو لتعزيز احترامه لنفسه. وده مش هيحصل غير من خلال إهانة الآخرين والإساءة للناس. ومفيش أنسب من بيبي صغير يتريقوا عليه بلا حول ولا قوة، ولا هيقدر يرد ولا يتكلم. في اللحظة دي، بيحسوا بشعور أحسن!
سواق التاكسي اللي كل الناس جاية عليه، وحاسس إنه مضغوط وفي وسط أزمات كتير، لقى نفسه وحس بالتنفيس لما أساء لبنتي، والدليل ضحكته اللي جلجلت بعد ما عمل كده. الحالة مختلفة مع الست اللي ما اتحرجتش تقول لي مثل شعبي سخيف عن بنتي، ولا اتحرجت لحظة تحكي لي عن تنمرها ببنتها، للأسف هي ست نرجسية جدًا، طول الوقت شايفة نفسها أحسن واحدة في الدنيا، وده شعور بتعززه بالإساءة لأي حد مش مطابق لمواصفات الكتالوج بتاعها حتى لو كان بنتها.
أنا صحيح قدرت أفسر تصرفاتهم ودا ريحني إلى حد كبير، إني مش باتعامل مع أشخاص أسوياء عشان أزعل منهم أو أعاتبهم أو أسأل عملتوا كده ليه. لكن الأكيد إني لسه محتاجة أعرف أتصرف ازاي في موقف زي ده عشان ما افقدش سلامي النفسي. وده اللي عرفته من المقال ده.
التعليق باستخدام حساب فيس بوك