إنك تبقي أب ده شيء كده غريب مريب، ما تفهمش بيعمل فيك إيه، لقب جديد يبجي يلخبط كيانك ومشاعرك وحبك لنفسك وللي حواليك. من 8 سنين تقريبًا بقيت أب، من يومها وأنا حالي اتبدل، بقيت راجل تاني ما أعرفوش، راجل مستعد ينحت في الصخر عشان يشوف غيره فرحان ومرتاح، راجل كان مبدأه للي حواليه “آه أنا كده، ومش هتغير وإن كان عاجب” اتحول لراجل بيحاسب على الكلمة والنفس قبل ما يطلع عشان فيه كائنات صغيرة أهم منه قاعدة بتراقب. من يوم ما بقيت أب وانا كل يوم باشكر ربنا إنه اداني فرصة هايلة اتغير لبني آدم أحسن.
أهم ٥ حاجات اتغيروا فيا لما بقيت أب:
- العطاء والإحساس بالغير:
كنت طول عمرى عايش لنفسي، بابسط نفسي وادلّع نفسي، عمري ما كان همي أي حد، ومش باهتم بأي حاجة غير شغلى وهواياتى اللى بحبها ومقتنياتى اللى باشتريها لنفسي. بعد الجواز، بدأت أهتم بشريكة حياتي (وأنا مش متعود على النوع ده من الاهتمام لذات تانية غير ذاتي).
بس بعد كده، الموضوع اتغير تمامًا بعد قدوم ابني الأول، كمية الحب والاهتمام اللى اديتها له، خلت يتفجّر عندى طاقة عطاء غير محسوبة وغير مألوفة بالنسبة لشخصيتي اللى كانت أنانية لحد ما لقيت نفسي باحس بوالدى أكتر، وبعد سنين كتير كنا مختلفين فيها بدأت أصاحبه واتغيرت علاقتنا لصداقة قوية، وبقيت أب لأب أكبر منه شوية. عرفت قد أيه أمي كانت بتتعب وتستحمل وهي مبسوطة وما بتتكلمش، وزاد حبي واحترامى ليها لأني جربت يعنى إيه إحساس إن يبقى عندك طفل من ظهرك، كائن غريب من صلبك بقى أهم عندك من نفسك.
- المسؤولية والالتزام في الشغل:
بطبيعة شغلي كطبيب وعندى عيادتي الخاصة من أول ما اتخرجت، إني كنت ممكن أضبط مواعيد المرضى على حسب مواعيد اللى باكون فاضي فيها من هواياتي، اللى كانت حفلة في الأوبرا أو الساقي. يعني بمعنى تاني، كنت ممكن أنزل العيادة يومين أو تلاتة في الأسبوع، وباقى الأسبوع أنا مرتبط بشكل أو بآخر بحدث ثقافى معين لازم أحضره أو أشارك فيه.
بعد الجواز والإنجاب، بيكون فيه نوع جديد من الالتزام والوعي المادي اللى ممكن يخلينى اشتغل صبح وليل علشان أوفر اللازم لولادي، والجميل إنه بيكون عن طيب خاطر وحب.
أما المسؤولية المعنوية بقى، دي اللي أنا دايمًا ألفت نظر أي حد مقبل على الزواج ليها، أنت ما بقيتش بتاع نفسك، أنت بقيت بتاع البيت والولاد: تمارين، دروس، دكتور، زيارة لأهلك أو أهل زوجتك، ساعة سواقة لمشوار مالوش أي تلاتين لازمة، وقفة مع صنايعي في عز شمس شهر ٧ على الدائري علشان مراتك نسيت تحط بنزين وبتكلمك تقول لك العربية عطلت، كده يعنى، أنت بقيت بتاع ناس غيرك، بقيت بتاعهم خلاص.
ده بيقلل اهتمام الأب بنفسه شوية أو شويتين، وبيخليه يدي أي وقت فاضى عنده للبيت علشان الولاد والمدام يكونوا مرتاحين ولما باشوفهم مرتاحين، أنا بالتبعية باحس إني زي الفل.
- سعة الصدر والصبر:
أول سنين شغلي كطبيب، ماكنتش باستحمل دلع الأطفال، اللي اكتشفت بعد ما ربنا رزقني بالأطفال أنه مش دلع هو خوف ومحتاج احتواء وطريقة معاملة معينة علشان تقدر تخليه مايخافش. فبمرور السنين، بقيت باصبر على الأطفال وعلى ذويهم وباديهم وقتهم. وبقيت متفهم إن ده الطبيعي، غير زمان خالص. غير إني بقيت ذو صدر رحب، ممكن استقبل نصيحة من حد أكبر سنًا أو مسن وآخدها بمحمل الجد على غير عادتى برضه لإني اتعودت زى أي شاب في بداية حياته مش مركز مع الكبار وقدامه تارجت عاوز يحققه وخلاص.
- باعمل حساب للزمن:
زمان، كنت ممكن ما أكسبش جنيه طول الشهر، عادي ما أنا بطولي، مش مشكلة. دلوقتي بقى دائمًا عندي مش خوف، بس نوع رهبة كده من المستقبل اللي بيخليني لازم أشيل حاجة للولاد علشان الزمن. وعلشان لما أموت يلاقوا حاجة يتسندوا عليها، وغيرت معتقداتي القديمة عن إنك تصرف كل اللى فى جيبك وتنبسط وخلاص.
- إزاي أكون أب كويس وقدوة:
طول ما الواحد عايش بشخصيته، أهه عايش عادي مش فارق معاه حد. بعد الجواز، أهه بتحاول تحسن من نفسك علشان ما بقيتش لوحدك. لما الولاد بيبدأوا يكبروا، يبتدوا يبصوا ويقلدوا كل حركاتك وبتبقى انت المثل الأعلى اللي بيتطلعوا إنهم يكونوا زيه في طريقة الكلام، اللبس، الأكل، فما بالك بالأخلاق! بقيت دائمًا أحاول أتعلم أكتر عن طرق التربية، والدين. وحتى الرياضة، ابتديت أمارسها بشكل منتظم علشان تكون الرياضة برضه جزء من شخصية الولاد.
في الآخر، أحب أقول إن وجود الولاد في حياتنا نعمة وهم أحلى حاجة فينا، ومش خسارة فيهم أي تعب لأن ده استثمارنا اللي هنقابل بيه ربنا، هم السيرة الحلوة اللي مكملة بعدنا في الدنيا، هو ده الميراث اللى هنسيبه لمجتمعنا ولبلدنا.
التعليق باستخدام حساب فيس بوك